جناب آقا میرزا قربانعلی علیه بهآء اللّه الأبهی
ایّها النّحریر الجلیل انّی اشکر اللّه علی ما قدّر و هدی و اشرق و تجلّی و تلألأ نیّر الملإ الأعلی و تشعشع بالنّور و الضّیآء فی فؤاد کلّ من خرق الحجبات الظّلمآء و هتک الأستار و اطّلع بالأسرار و کشف الحقیقة السّاطعة من عالم الأنوار و لمثلک ینبغی هذا و لا یکاد الانسان ان یطّلع بالسّرّ المکنون فی غیب الامکان الّا بعد الخوض فی غمار البحار و الفوز بعمق الأسرار عند ذلک یری الآیات الباهرة و الدّلائل السّاطعة و البراهین القاطعة و الحجج اللّامعة
انظر الی سرّ الوجود و البرهان المشهود انّ ربّک الودود قد جعل کلّ ممکن الوجود اسیراً لأحکام الطّبیعة و ذلیلاً لقوانینها کما تری انّ الأشیآء کلّها تحت سلطة ناموس الطّبیعة و مخذول تحت صولتها و مجبور عند ظهور قدرتها و دولتها حتّی الشّمس النّیّر الأعظم لا تکاد تنحرف رأس شعرة من قوانینها بل هی مطیعة لحکمها ذلیلة عند ظهور سطوتها فلا تتعدّی مدارها و هذا المحیط الموّاج مع عظمته و اتسّاعه لا یکاد یتخلّص من اسرها و لا یتحرّر من سلاسلها و کذا کلّ الأجسام العظیمة المتلألئة المتحرّکة الدّرهرهة فی هذا الفضآء الّذی لا یتناهی کلّها تحت احکام الطّبیعة بأسرها و اذلّآء عند ظهور قدرتها ضعفآء عند بروز قوّتها و لا تکاد تتعاطی حرکة دون امرها الّا هذا الانسان الصّغیر الجسم الوسیع الفکر العظیم النّهی الشّدید القوی انّه یحکم علی الطّبیعة و یخرق قوانینها و یهدم مبانیها و یکسر شوکتها و یخذل دولتها و یقطع صولتها و لا یعتنی بأحکامها و یزدری بأصولها و نوامیسها کما تری انّ الانسان بمقتضی قوانین الطّبیعة هو حیوان دبّاب علی التّراب ولکنّه یکسر نوامیس الطّبیعة و یطیر فی الهوآء و یخوض فی غمار البحار و یطارد علی صفحات المآء و تری القوّة البرقیّة الخارقة للجبال العاصیة العاتیة بقانون الطّبیعة انّها اسیرة حصیرة بید الانسان فی زجاجة صغیرة و لا شکّ انّ هذا خرق لقانون الطّبیعة و الصّوت الحرّ المنتشر فی هذا الفضآء یحصره الانسان فی آلة صمّآء و هذا ایضاً خرق لقانون الطّبیعة و الظّلّ الزّائل یجعله الانسان ثابتاً علی صفحات الزّجاج و هذا خرق ایضاً لقانون الطّبیعة و اذا نظرت بنظر دقیق تری انّ کلّ هذه الصّنایع و البدایع و العلوم و الفنون و الاکتشافات و الاختراعات انّها یوماً ما کانت من الأسرار المکنونة و الحقائق المصونة فی غیاهب الطّبیعة ولکنّ الانسان اکتشفها و هی فی حیّز الغیب و اخرجها الی حیّز الشّهود و هذا خرق عظیم لقوانین الطّبیعة
اذاً لا شبهة انّ الانسان خارق لشرایع الطّبیعة هادم لصولتها کاسر لشوکتها ناسخ لقوانینها فاسخ لنوامیسها مع هذا البرهان اللّامع و الحقیقة السّاطعة الدّالّة علی قوّة قدسیّة للانسان ورآء الطّبیعة کیف یتخاذل الانسان و یتنازل و یتجاهل و یتعبّد للطّبیعة و یسجد لها من دون اللّه و یعتقد انّها هی الحقیقة الجامعة و الدّرّة البیضآء السّاطعة و الکینونة الحائزة للمعنی التّامّ و الهویّة المحتویة علی الکمالات بتمام معانیها استغفر اللّه عن ذلک بل انّ الحقیقة السّاطعة الخارقة للطّبیعة و احکامها الکاشفة لأسرارها الکاسرة لقوانینها و نظامها هی الانسان و هذا اعظم برهان و اقوم دلیل لعلوّ الانسان و سموّه علی الطّبایع کلّها فأمعن النّظر حتّی تری البرهان الّذی انزله الرّحمن فی القرآن خلق الانسان علّمه البیان انّما البیان عبارة عن الحقیقة السّاطعة و الأسرار المودعة فی حقیقة الانسان تعالی الرّحمن الّذی خلق هذا النّور المبین المؤیّد بالفکر و الذّکر العظیم و امتازه اللّه من الکائنات حتّی عن الطّبیعة الّتی یعبدونها من دون اللّه
و اذا نظرنا الی النّوامیس المرتبطة بها جمیع الکائنات فی حیّز الطّبیعة نری بوضوح البیان انّ الانسان بقانون الطّبیعة اسیر للسّباع الضّاریة ولکنّه بقوّة معنویّة مودعة فیه یا ما اسر السّباع الضّاریة و یا ما ذلّل و قهر الذّئاب الکاسرة و هذا خرق عظیم ایضاً لنوامیس الطّبیعة و انّ الانسان یدع آثار القرون الخالیة و الفنون الحاضرة مواریث للقرون الآتیة و هذا خرق عظیم ایضاً لنوامیس الطّبیعة و انّ الانسان له آثار باهرة بعد غیابه من هذه النّشأة الحاضرة و الحال انّ الآثار تابعة للمؤثّر حیث الأثر و المؤثّر توأمان و لا یجوز وجود الأثر المستمرّ مع فقدان المؤثّر و هذا خرق و انّ الانسان یجعل للأشجار الفاقدة الثّمار قطوفاً دانیة و هذا خرق و انّ الانسان یجعل السّموم المهلکة بقانون الطّبیعة سبباً للشّفآء و العافیة و هذا خرق و انّ الانسان یستخرج المعادن الّتی هی کنوز الطّبیعة و اسرارها المکنونة المصونة فی باطنها و لا یجوز ظهورها بحسب قانونها و هذا خرق و انّ الانسان بقوّة معنویّة یمزّق قوانین الطّبیعة کلّ ممزّق و یغتصب السّیف الشّاهر من ید الطّبیعة و یضربها به ضربةً دامغة و هذا خرق بل تمزیق لقانون الطّبیعة ثمّ انظر انّ الانسان کاشف لأسرار الطّبیعة و الطّبیعة غافلة عنه و عنها و انّ الانسان یخابر الشّرق و الغرب طرفة عین و هذا خرق و انّ الانسان مستقرّ فی مرکزه و یشاهد و یکالم و یخابر النّواحی القاصیة و هذا خرق و انّ الانسان حال کونه فی حیّز الثّری له اکتشافات فی السّمآء و هذا خرق و انّ الانسان مخیّر و الطّبیعة مجبورة و انّ الانسان مستشعر و الطّبیعة فاقدة الشّعور انّ الانسان حیّ مرید و الطّبیعة فاقدة الحیاة و الاراده انّ الانسان یکتشف الحوادث الآتیة و الطّبیعة عاجزة عنه و انّ الانسان بقضایا معلومة یستدلّ علی القضایا المجهولة و الطّبیعة جاهلة عنها
اذاً ثبت بالبرهان السّاطع انّ فی الانسان قوّة قدسیّة و الطّبیعة محرومة عنها و انّ فی الانسان صفة جامعة لکمالات شتّی من حیث السّمع و البصر و الفؤاد و الفضائل الّتی لا تتناهی و الطّبیعة فاقدة لها و انّ الانسان له التّرقّی المستمرّ و لا یتراخی و الطّبیعة لا زالت علی الحالة الأولی ازلاً ابداً و انّ الانسان مؤسّس للفضائل و الطّبیعة داعیة للرّذائل و المفاسد الّتی هی منازعة البقآء و الخصائل المذمومة الّتی جبل الحیوان علیها و انّ الانسان یتصرّف بقانون العقل و النّهی و انّ الطّبیعة تتصرّف بقانون الظّلم و الجفآء فالخیر و الشّرّ متساویان عندها و امّا فی عالم الانسان الخیر ممدوح و الشّرّ مکروه و انّ الانسان یبدّل و یغیّر القوانین المؤسّسة باقتضآء الزّمان و المکان و الطّبیعة لا تکاد تنفکّ عن قوانینها لأنّها مجبورة علیها و هذه الآفات و المخاطر کلّها اعتساف الطّبیعة و سبب للّهلاک و الدّمار و امّا الانسان جامع للفضائل کلّها المنبعثة من القوّة المعنویّة الودیعة الالهیّة و انّها ما ورآء الطّبیعة لأنّها کاسرة لشوکة الطّبیعة و قوانینها و مع هذه البراهین الواضحة و الدّلائل السّاطعة و الحجج البالغة ما اغفل الانسان و ما اجهله اذا خرّ ساجداً للطّبیعة و شؤونها و عبدها من دون اللّه و مع ذلک یعدّ نفسه فیلسوفاً نفیسا استغفر اللّه بل هو فیلفوس حسیس انّ الانسان لأعظم شأناً و اقوم سلطاناً و اجلّ برهاناً من الطّبیعة الّتی ما انزل اللّه بها من سلطان یا للّه ما هذه الغفلة العظمی و ما هذه البلادة الکبری ان یذهل الانسان عن الحیّ القدیر و یعمه عن الودیعة الالهیّة المودعة فیه بفیض مقدّس من الرّبّ الجلیل و یدع عقله اسیراً للطّبیعة و ذلیلاً لها انّ هذا لتعمی القلوب الّتی فی الصّدور و الصّمم الحقیقی الّذی یورث النّفور صمّ بکم عمی فهم لا یعقلون و علیک البهآء الأبهی